روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | معنى الحب عند رسول الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > معنى الحب عند رسول الله


  معنى الحب عند رسول الله
     عدد مرات المشاهدة: 2486        عدد مرات الإرسال: 0

¤ عائشة بنت الصديق رضي الله عنها:

مع زوجته عائشة التي يحبها كثيراً، يراها تشرب من الكأس فيحرص كل الحرص على أن يشرب من الجهة التي شربت منها، حب حقيقي لا يعرف معنى الزيف، لإن صار الحب في زماننا اليوم شعاراً ينادى به وكلمات تقذف هنا وهناك فإنها في نفس محمد عليه الصلاة والسلام ذات وقع وذات معنى قل من يدركه ويسعد بنعيمه.

وهو يسابقها في وقت الحرب، يطلب من الجيش التقدم لينفرد بأم المؤمنين عائشة ليسابقها ويعيش معها ذكرى الحب في جو أراد لها المغرضون أن تعيش جو الحرب وأن تتلطخ به الدماء.

لا ينسى أنه الزوج المحب في وقت الذي هو رجل الحرب.

وفي المرض، حين تقترب ساعة اللقاء بربه وروحه تطلع إلى لقاء الرفيق الأعلى، لا يجد نفسه إلا طالباً من زوجاته أن يمكث ساعة إحتضاره عليه الصلاة والسلام إلا في بيت عائشة، لماذا؟ ليموت بين سحرها ونحرها، ذاك حب أسمى وأعظم من أن تصفه الكلمات أو تجيش به مشاعر كاتب.

ذاك رجل أراد لنا أن نعرف أن الإسلام ليس دين أحكام ودين أخلاق وعقائد فحسب بل دين حب أيضاً، دين يرتقي بمشاعرك حتى تحس بالمرأة التي تقترن بها وتحس بالصديق الذي صحبك حين من الدهر وبكل من أسدى لك معروفاً او في نفسك إرتباط معه ولو بكلمة لا اله إلا الله، محمد رسول الله.

حب لا تنقض صرحه الأكدار، حب بنته لحظات ودقات قلبين عرفا للحياة حبا يسيرون في دربه.

هي عائشة التي قال في فضلها بأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وهي بنت أبو بكر رفيق الدرب وصاحب الغار وحبيب سيد المرسلين.

هي عائشة بكل الحب الذي أعطاها إياه، حتى الغيرة التي تنتابها عليه، على حبيبها عليه الصلاة والسلام، غارت يوما من جارية طرقت الباب وقدمت لها طبق وفي البيت زوار لرسول الله من صحابته، فقال للجارية ممن هذه، قالت: من أم سلمة، فأخذت الطبق ورمته على الأرض، فإبتسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لصحابته، غارت أمكم! ويأمرها بإعطاء الجارية طبقا بدل الذي كسرته.

أحب فيها كل شيء حتى غيرتها لمس فيها حبا عميقا له، وكيف لا تحب رجلا كمثل محمد عليه الصلاة والسلام.

في لحظة صفاء بين زوجين يحدثها عن نساء إجتمعن ليتحدثن عن أزواجهن ويذكر لها قصة أبو زرع التي أحبته زوجته وأحبها، وكانت تلك المرأة تمتدح أبو زرع وتعدد محاسنه ولحظاتها الجميلة معه وحبهما ثم ذكرت بعد ذلك طلاقها منه بسبب فتنة امرأة، ثم يقول لها رسول الله «كنت لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلق» فرسول الله هو ذاك المحب لمن يحب غير أنه ليس من النوع الذي ينجرف وراء الفتنة فهو المعصوم عليه الصلاة والسلام.

لكن هذا الحب لا يجعله ينسى أو يتناسى حبا خالداً لزوجة قدمت له الكثير وهي أحب أزواجه إلى نفسه، لا ينسيه خديجة.

ففي لحظة صفاء يذكر لعائشة خديجة، فتتحرك الغيرة في نفسها، الرجل الذي تحب يتذكر أخرى وإن كانت لها الفضل ما لها، فتقول له: ما لك تذكر عجوزا أبدلك الله خيرا منها -تعني نفسها- فيقول لها، لا والله ما أبدلني زوجا خيرا منها، يغضب لامرأة فارقت الحياة، لكنها ما فارقت روحه وما فارقت حياته طرفة عين.

أحب عائشة لكن قلبه أحبه خديجة أيضا، قلبه إتسع لأكثر من حب شخصين، قد يحار في العقل إذا ما علمت رجلا أحب جماهيرا من الناس لا تحصيهم مخيلتك، فالحب الذي زفه للناس حبا حملته أكف أيدي وقدمته للأمم، ولله در الصحابي القائل -نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام-

¤ خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:

خديجة بنت خويلد، الحب الأول الذي مازج قلبه، ذكرى شبابه وأيام دعوته الصعبة، خديجة التي عاشت معه أيامه حلوها ومرها، خديجة التي أحبها من كل قلبه وسطرت في قلبه ومخيلته أسمى أنواع التفاني والتضحية للحبيب.

ماتت خديجة، ليقف ذاك المحب وحيداً يتحسس الم الفراق، لم تعطيه قريش الفرصة حتى ليجول بخاطره في ذكرياته معها ويتذكر كل ابتسامة أو لحظة حب عاشها معها، زادت من إيذائها له حتى ذهب إلى الطائف لعل صوتا يسمعه أو أذنا تسمع همساته، ذهب إلى الطائف وحيداً لكن خديجة بذكراها العطرة معه، رفيق درب، لكن الدرب طويل والرفيق فارق الدنيا إلى الرفيق الأعلى.

يأتي الطائف وكله أمل بكلمة طيبة تجبر الخاطر أو بمسحة رحمة تتحسس الألم، لكنه يرى غير هذا، يرى أناسا ما عرفوا للحب مكانا، إنه ينزف من ألمه يتتوق إلى مسحة حب وحنان فيجد نفسه بين صفين كل يرميه بالحجارة وأنواع من التهم والشتائم.

إلى أين يا محمد؟ أين تذهب؟ إلى شجرة وحيدة يستظل بها ويداوي جراحه، شجرة وحيدة ورجل وحيد لعلها تؤنس الوحدة، لعلها تشاركك مرارة تلم اللحظات، خديجة التي أحبها ماتت، قريش أرضه رفضته، الطائف بلد الغربة تغلق أبوابها في وجهه، إلى من يلجأ؟ إلى أين يذهب؟

وحينما تغلق الأبواب في وجهه وتتثاقل الهموم تجيش مشاعره للذي عنده مفاتيح الكرب فيقول «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلت حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي لا اله إلا أنت، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك سخط علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم، الذي أضاءت له السموات والأرض وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة لنا إلا بك».

يا محمد إمسح على ألمك وانهض إلى مكة وإستحضر ساعات النصر، فالنصر قادم لكن لابد من الإبتلاء.

تنزلت سورة يوسف في هذه الأثناء لتقول {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا}، تنزلت لتقول له {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}.

¤ إبراهيم بن محمد عليهما الصلاة والسلام:

رجل عاش لأمته وأراد لها أن تعيش من بعده، مع سكون الليل وظلمته الحالكة يقف ليصلي صلاة التائب الخاضع، يا محمد أليس الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، بلى ولكن ألا أكون عبداًً شكورا، تلك كلماته وتلك أحاسيسه، في ذلك الليل يتذكر أمته ويسكب عليها الدموع وتتطاير من قلبه شرر من شجنه، يبكي «أمتي، أمتي»، دموع غالية وقلب مفعم بالمحبة، هكذا عرفناك وهكذا تذرف العيون في ذكرى فراقك.

علمتنا أن نحب قبل أن نرى على الوجود من نحب، أحببتنا وما لقيتنا فأحببناك وشكونا إلى الله ألم فراقك، أترانا نلتقي يوماً عند حوضك ونشرب من كأس تُقدمه يداك، تلك أمنية تحيا بها نفوسنا لكنك علمتنا أن المرء يحشر مع من أحب، ونحن نرجو من الله أن نُحشر معاك يا حُبنا الخالد.

تمضي عليك الأيام والليالي ونفسك تتوق إلى عقب يخلفك، يموت أبناءك فيتطاول عليك الكفار وينادونك بالأبتر، ويدافع عنك الخالق سبحانه قائلاً {إنّ شانئك هو الأبتر}.

عرفناك زوجاً محباً، ورفيقاً مخلصاً، فكيف تراك تكون وأنت اليوم أب ووالد، يولد لك الولد وتسميه إبراهيم، لعل نفسك تذكرت أبيك إبراهيم الخليل وتقت إلى أن يكون لإبنك عقب بعدد عقب إبراهيم، ها هي الإبتسامة تعلوك، أي وجه تعلو الإبتسامة كوجهك الشريف؟

مضى من العمر طويلاً، وكبر السن وولد صغير يعني شباب جديد لرجل مفعم بشباب الروح، لكن الإختبار الجسيم لا يكتمل يا محمد في هذه النهاية، إنّ الله عز وجل الحكيم كتب في كتابه أمراً غير ذلك.

مات إبراهيم، مات بكل ما حمله مجيئه من معاني، ترقبه وهو في لحظات الموت وتبكي عليه، «إنّّ العين لتدمع وإنا يا إبراهيم على فراقك لمحزنون».

أترى إبراهيم يموت في داخلك، كيف يموت؟ وما ماتت خديجة في داخلك رغم الأيام والسنين أترى الحب الذي في داخلك يقف حائراً مع من يحب ومن يذكر، إنّ حبك إمتد لأمتك فكيف يقف اليوم باب إبنك الذي هو قطعة منك.

تحزن ويحق لك أن تحزن، لأنّ الذي لا يحزن على فراق ابنه ما عرف للحياة حباً وللرحمة معناً في قلبه، لكن حبك لا ينسيك أنّك مبلغ عن الله وأنّ أمانة الرسالة أعظم الأمانات.

حينما ينادي المنادي أن الشمس إنكسفت لموت ابنك، تقف بكل قوة وصلابة لتقول «إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد أو حياته».

أي معنى للحب تعطينا، عندك الكثير ونحن أشوق للمزيد.

المصدر: موقع المختار الإسلامي.